الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة رجل توفي وترك أم ولد له فادعت متاع البيت: قال أشهب وابن نافع: وسئل مالك: عن رجل توفي وترك أم ولد له، فادعت متاع البيت، قال: أرى أن تكلف البينة على أن ذلك لها، وإن كان ذلك من متاع النساء؛ لأنها ليست بحرة، إنما هي أم ولد، ثم يكون ذلك لها، قلت: أرأيت ما أعطاها سيدها من الحلي والثياب؟ فقال: ذلك لها إذا مات سيدها. قلت: أرأيت ما كان من متاع البيت دني؟ فقال: أما الفراش والحلي واللحاف والثياب التي على ظهرها فأرى ذلك لها من كتاب العتق. وسمعته سئل: عن أم الولد يتوفى عنها سيدها وفي يدها متاع، فيريد الورثة أخذه منها، أذلك لهم؟ فقال: إن كان وهبه لها فلا. قال محمد بن رشد: إنما وجب أن تكلف أم الولد البينة فيما ادعته من متاع النساء أنه لها سوى ثيابها التي تلبسها والحلي الذي يشبهها إذا نازعها في ذلك ورثة سيدها من أجل أنه لا يد لها مع سيدها، إذ لم تتم حريتها إلا بموته، فهي في هذا بخلاف الحرة، وقد مضى في رسم الصلاة من سماع يحيى من كتاب طلاق السنة القول في اختلاف الزوجين في متاع البيت موعبا لمن أحب الوقوف عليه، ومضى في رسم صلى نهارا من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب القول في مال أم الولد وما يصح منه بالدعوى مما لا يصح، فلا معنى لإعادته، والله الموفق. .مسألة الصبية الصغيرة تشترى أعلى من ابتاعها استبراؤها: وسئل مالك: عن الصبية الصغيرة تشترى، أعلى من ابتاعها استبراؤها؟ قال: نعم، إذا كان مثلها يوطأ، واستبراؤها ثلاثة أشهر، وإن كانت صغيرة ليس مثلها يوطأ فليس عليها استبراء. قال محمد بن رشد: أما الصغيرة التي لا يوطأ مثلها فلا اختلاف في أنه لا مواضعة فيها ولا استبراء، وإنما اختلف في الصغيرة التي يوطأ مثلها ويؤمن الحمل منها، فمذهب مالك وعامة أصحابه وجوب الاستبراء فيها والمواضعة إن كانت من ذوات الأثمان بثلاثة أشهر؛ لأن الحمل لا يتبين في أقل من ثلاثة أشهر، وقيل: شهران، وقيل: شهر ونصف، وقيل: شهر، وذهب مطرف وابن الماجشون إلى أنه لا يجب فيها استبراء ولا مواضعة. وجاء ذلك عن جماعة من السلف، منهم: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وابن شهاب، وأبو الزناد، وربيعة، وابن هرمز، وغيرهم، وكذلك الكبيرة التي يؤمن الحمل منها، وبالله التوفيق. .مسألة امرأة توفيت وتركت خادما وتركت من الورثة زوجها وولدها: قال محمد بن رشد: أما إذا كان لها ولد أقر أنه منه فلا اختلاف في أنه يلحق به وتعتق هي، وتخرج حرة، وتقوم عليه في ماله إن كان له مال، وإن لم يكن له مال فهي مصيبة دخلت عليهم؛ لأن النسب يثبت منهم، والحد يسقط عنه، فوجب أن يصدق على ورثته من كانوا كما يصدق في أمته أن ولدها هذا منه، وأن حملها منه، وإن كان ذلك في مرضه الذي مات منه؛ لأن النسب يسقط التهمة عنه، وإنما يختلف إذا أقر لها في مرضه الذي مات منه أنها قد ولدت منه، ولا ولد معها، فقيل: إنه لا يقبل قوله، وإن كان ورثه ولده، وقيل: إنه يقبل قوله إن كان ورثته ولدا فتعتق من رأس ماله، ولا يقبل قوله إن كان ورثته كلالة، وقيل له: إن كان ورثته ولدا عتقت من رأس المال، وإن كان ورثته كلالة عتقت من ثلثه، والثلاثة الأقوال كلها في المدونة وغيرها، وبالله تعالى التوفيق. .مسألة الأمة يموت عنها زوجها وهي من اللائي قد يئسن من المحيض كم عدتها: قال عيسى: وسألته: عن الأمة يموت عنها زوجها وهي من اللائي قد يئسن من المحيض كم عدتها؟ قال: شهران وخمس ليال. قلت: فإن باعها سيدها في العدة؟ قال: لا يطؤها مشتريها حتى يستبريها بثلاثة أشهر من يوم هلك عنها زوجها، ولا ينقلها مشتريها من بيتها التي كانت تبيت فيه حتى تعتد فيه شهرين وخمس ليال من يوم مات عنها زوجها، فإذا مضى لها شهران وخمس ليال انتقلها مشتريها ولكن لا يمسها حتى يستبريها بثلاثة أشهر بالشهرين والخمس ليال من يوم مات عنها زوجها. قال محمد بن رشد: قوله: إن الأمة الآيسة من المحيض تعتد من وفاة زوجها شهرين وخمس ليال، ثم ينقلها مشتريها من بيتها إن شاء ولا يطؤها حتى تتم ثلاثة أشهر، معناه: في الأمة اليائسة من المحيض لصغر أو لكبر، والحمل غير مأمون منها، وقد دخل بها؛ لأن التي لم يدخل بها والتي يؤمن الحمل منها وإن كان يوطأ مثلها لا اختلاف في أن عدتها تنقضي بالشهرين والخمس ليال كما ينقضي بها إذا كانت في سن من تحيض، فحاضت، فيكون لسيدها أن يطأها وأن يزوجها، وليس عليه أن ينتظر بها تمام ثلاثة أشهر، ولم يحكم لها بحكم المعتدة بعد انقضاء الشهرين وخمس ليال إلى تمام الثلاثة الأشهر، إذ قال: إن لسيدها أن ينقلها عن بيتها، فعلى قوله: لا إحداد عليها، وذلك خلاف ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون: من أن على المتوفى عنها زوجها الإحداد إذا استرابت حتى تنقضي الريبة، مثل قول سحنون: إنه لا إحداد عليها إلا في الأربعة أشهر وعشر، وظاهر ما في المدونة: أن عدتها تنقضي بالشهرين والخمس ليال، فيكون لسيدها أن يطأها ولمشتريها وإن كانت ممن لا يؤمن الحمل منها، إذا لم يكن بها ريبة؛ لأنه قال في كتاب الاستبراء منها: إنها إذا لم تحض في الشهرين وخمس ليال فلا يطأها إن أحست من نفسها؛ لأن في قوله إن أحست من نفسها دليل على أنها إن لم تحس من نفسها شيئا، يطؤها إذا انقضت الشهران وخمس ليال. وإن لم تحض فيها، وذلك بين أيضا من قول سحنون في تفرقته بين أن يكون بين المدتين أقل من شهرين وخمس ليال أو أكثر في أم الولد التي يتوفى زوجها وسيدها، ولا يدري أيهما مات قبل صاحبه. والريبة في ذلك تكون بوجهين: أحدهما: بامتلاء تحسه في البطن، والثاني: بتأخير الحيض عن وقته، إن كانت ممن تحيض، فأتى عليها في الشهرين وخمس ليال وقت حيضتها فلم تحض، فأما الريبة بامتلاء تحسه في البطن فلابد من استبرائها إلى تمام تسعة أشهر، فإن لم تزد على ما كان عليه حلت، وإن زاد انتظرت إلى أقصى أمد الحمل، وأما الريبة بتأخر الحيض عن وقته إن كانت، فيستبريها إلى تمام ثلاثة أشهر، فإن لم يظهر بها حمل ولا أحست بشيء حلت. فيتحصل على هذا الذي قلناه في اليائسة من المحيض التي لا يؤمن الحمل منها، وفي التي هي ممن تحيض إذا لم تحض في الشهرين وخمس ليال ولا مر بها فيها وقت حيضتها- ثلاثة أقوال: أحدها: أنها تحل بتمام الشهرين وخمس ليال فيكون لسيدها أن ينقلها عن بيتها وأن يطأها ويزوجها. والثاني: أنها تبقى على إحدادها ولا ينقلها عن بيتها ولا يطأها ولا يزوجها حتى تنقضي ثلاثة أشهر، والثالث: أنه ينقلها عن بيتها ويسقط عنها الإحداد، ولا يطؤها ولا يزوجها حتى تنقضي ثلاثة أشهر. وإنما كانت عدة الأمة في الوفاة شهرين وخمس ليال؛ لأن العدة حد من الحدود، والعبيد في الحدود على النصف من الأحرار؛ لقول الله عز وجل: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25]. فكان على الأمة ومن فيها بقية رق في الطلاق- حيضتان؛ إذ لا تنقسم الحيضة الثانية، وفي الوفاة شهران وخمس ليال؛ لانقسام الشهور والأيام، والله أعلم. .مسألة الأمة المستحاضة والتي ترتفع عنها حيضتها يبيعها سيدها: قلت له: فالأمة التي لا تحيض في ستة أشهر إلا مرة، تباع، هل ينتظر بها إلى حين حيضتها؟ قال: ثلاثة أشهر تبريها إذا لم ترتب، والتي لا تحيض في ستة أشهر إلا مرة واحدة إذا لم ترتب أقوى في الاستبراء؛ لأنه يعرف أنه لم يمنعها من الحيض شيء يخاف عليها، ألا ترى أن المتوفى عنها زوجها إذا كانت ممن تحيض فلم تحض في عدتها أمرت أن تقيم حتى تحيض أو تبلغ من الأجل ما لا يشك فيه أن فيه استبراء رحمها، وذلك تسعة أشهر إذا لم تحس شيئا، والتي حيضتها في ستة أشهر مرة أو في السنة مرة أو تكون ترضع، تجزيها العدة إذا لم ترتب بشيء؛ لأنه يعلم أنه لا تحتبس عنها حيضتها لريبة خيفت عليها، وإنما احتبست بحيضتها التي كانت من شأنها، فكذلك البيع لا تكون التي تحيض أعجل في الاستبراء في الريبة من التي لا تحيض، وهو فرق بين، ورواه أصبغ عن ابن القاسم في كتاب النكاح الأول من سماعه. قال محمد بن رشد: قوله: إن المستحاضة والتي ترتفع عنها حيضتها تستبرأ في البيع بثلاثة أشهر- هو أحد قولي مالك في المدونة من رواية ابن غانم عنه، واختيار أشهب خلاف قوله الآخر فيها: أنهما يستبريان جميعا بتسعة أشهر، وقد قيل: إن المستحاضة تستبري بثلاثة أشهر، والتي ترتفع عنها حيضتها بتسعة أشهر، وهذا يأتي على ما روي عن مالك أن المستحاضة تعتد في الوفاة بأربعة أشهر وعشر، وتحل، بخلاف التي ترتفع عنها حيضتها. وأما التي لا تحيض في ستة أشهر إلا مرة، فقوله: إنها تستبري بثلاثة أشهر- صحيح على قياس قوله: إن المتوفى عنها زوجها تحل بأربعة أشهر وعشر، إذا لم يمر بها فيها وقت حيضتها. وتأتي على رواية ابن كنانة عن مالك في سماع أشهب من كتاب طلاق السنة في المتوفى عنها زوجها، تعتد أربعة أشهر وعشرا، ولا يأتيها فيها وقت حيضتها: أنها لا تتزوج حتى تحيض وتبرأ من الريبة: أنها لا يجزيها في الاستبراء الثلاثة الأشهر، ولابد لها من انتظار حيضتها، وهو قول ابن القاسم في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى بعد هذا، ورواية عيسى أصح في النص؛ لأن المعنى في الاستبراء معرفة براء الرحم من الحمل، وقد حصل ذلك بالثلاثة الأشهر، فلا يلزم انتظار الحيضة، إذ ليست الحيضة في الاستبراء عبادة، فيلزم انتظارها وإن حصلت البراءة بما دونها كما أن الصحيح أن تحل الحرة المتوفى عنها زوجها بأربعة أشهر وعشر إذ لم يمر بها فيها وقت حيضتها، ورواية ابن كنانة عن مالك شذوذ من القول؛ لأنها قد أكملت العدة التي فرضها الله عليها ولا ريبة فيها فوجب أن تحل، وقد حكى ابن المواز: أن مالكا رجع عنه، وقد قال أبو إسحاق في رواية عيسى هذه: إنها غلط ومخالفة للقرآن، وإن رواية يحيى هي الصحيحة، وقوله هو الغلط، إذ ليس في القرآن وجوب استبراء الأمة في البيع بحيضة، فيلزم أن يقال: إن الاستبراء لا يحصل بما دونها، إذ قد علم وقتها كما يقال في الأقراء في عدة الطلاق، ولو قال: إنها مخالفة لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تحيض» لكان أشبه وإن لم يكن ذلك صحيحا إذ ليس الحديث على عمومه؛ لأنه إنما خرج على الأغلب من أن ذوات الحيض من النساء يحضن فيما دون الثلاثة الأشهر التي يعلم بها براءة الرحم. .مسألة اشترى عبدا وجارية في صفقة واحدة والجارية مما مثلها توضع للاستبراء: قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة جيدة بينة المعنى، قوله فيها: إن الجارية إذا كانت وجه الصفقة يوقف العبد بتوقيف الجارية للمواضعة، وتكون مصيبته من البائع إن لم تخرج الجارية من المواضعة، ومن المبتاع إن خرجت من المواضعة، ولا يجوز نقد الثمن في ذلك بشرط صحيح؛ لأن البيع لما كان لا يتم فيه دونها وجب أن يكون تبعا لها في التوقيف والضمان، وفي أن النقد فيه لا يجوز، وقد قيل: إن له أن يأخذه بما ينوبه من الثمن إن لم تخرج الجارية من المواضعة هو أحد قولي ابن القاسم في غَيْرِمَا كتاب من المدونة، فعلى هذا القول تكون مصيبته أيضا إن مات ولم تخرج الجارية من المواضعة من البائع، ولا يجوز فيه النقد كحكم العبد المشترى بالخيار، وأما إذا كان العبد وجه الصفقة فيقبضه ويدفع ما ينوبه من الثمن؛ لأن الشراء له فيه لازم بما ينوبه من الثمن إن لم تخرج الجارية من المواضعة، ولا ينقد ما ينوب الجارية بشرط، وقد اختلف في وجوب توقيفه إن دعا إلى ذلك البائع حسبما مضى القول فيه في أول رسم من سماع ابن القاسم، فإن طاع بدفع جميع الثمن ولم تخرج الجارية من المواضعة ماتت أو ألفيت حاملا فلم يرد المبتاع أخذها رد البائع من الثمن ما ينوبها، وإن لم يدفع من الثمن شيئا ولم تخرج الجارية أيضا من المواضعة لزم المبتاع من الثمن ما ينوب العبد منه بأن ينظر ما قيمته من قيمته وقيمة الجارية، فيكون عليه من الثمن ذلك الجزء، مثال ذلك: أن تكون قيمته مائتين وقيمة الجارية مائة، فيكون عليه ثلثا الثمن ما كان، وقوله في الرواية كان عليه من الثمن بقدر ثمن العبد من الجارية لفظ وقع على غير تحصيل، ومراده كان عليه من الثمن بقدر ثمن العبد من ثمن العبد والجارية حسبما بيناه، والحمد لله. .مسألة إذا باع الرجل الجارية بالجاريتين فإنهن يوضعن للاستبراء: قال عيسى: قال ابن القاسم: إذا باع الرجل الجارية بالجاريتين فإنهن يوضعن للاستبراء، فإن ماتت الجارية التي هي ثمن الجاريتين أو أصابها عيب قبل أن تخرج من الاستبراء فإن ذلك من بائعها، إن كان موت فالمصيبة منه، وإن كان عيبا ردت عليه وانفسخ البيع في الجاريتين، قال ابن القاسم: إلا أن يشاء المشتري حبسها معيبة فيتم البيع، وإن سلمت مما ذكرنا، فأصاب الجارية الفاره من الجاريتين مثل ما وصفنا في هذا من قبل أن تخرج من الاستبراء انفسخ البيع أيضا وردت الجارية الفاره التي كانت ثمنا للجاريتين إلى صاحبها واسترجع جاريته، وإن سلمت الجاريتان الفارهتان مما ذكرنا وأصاب الدنية من الجاريتين موت أو عيب قبل أن تخرج من الاستبراء انتظر بالجاريتين الفارهتين، فإن خرجتا من الاستبراء صحيحتين تم البيع فيهن ورجع مشتري الجاريتين بثمن الدنية على صاحبه فينظر ما اسم قيمتها من قيمة صاحبتها فيرجع بذلك الاسم على بائعها في قيمة الجارية الفارهة التي يأخذ، وذلك أن تكون قيمة الجارية الفارهة التي هي ثمن الجاريتين ثلاثمائة دينار، وتكون قيمة الجارية ثلاثمائة دينار أيضا، فتكون قيمة المرتفعة منهما مائتين، وقيمة الدنية مائة، فيرجع بثلث قيمة المرتفعة، وذلك مائة دينار، وإن خرجت الدنية من الاستبراء صحيحة قبل أن تخرج صاحبتها ثم ماتت، فإنه ينتظر بصاحبتها، فإن خرجت صحيحة من الاستبراء كانت المصيبة من المشتري، وإن لم تخرج صحيحة أو ماتت كانت المصيبة من بائعها، وإن وجد بأحد الجاريتين عيب بعد الاستبراء فإنه إن كانت العلية أدناهما ليس من أجلها اشتريت صاحبتها ردها ونظر ما اسم قيمتها من قيمة صاحبتها، فيرجع بذلك الاسم على البائع في قيمة الجارية المرتفعة كما فسرت لك، وإن كانت المعيبة هي وجه ما اشترى وفيها يرجو ردهما جميعا ونظر، فإن كانت المرتفعة لم تفت بنماء ولا نقصان ولا اختلاف أسواق ولا بيع ولا بشيء من وجوه الفوت، قبضها ورد الجاريتين جميعا، وإن كانت قد فاتت بشيء مما ذكرنا أو طال أمرها كان له عليه قيمتها يوم قبضها، وإن كانت المرتفعة التي هي ثمن الجاريتين هي التي وجد بها العيب ردها ونظر إلى الجاريتين، فإن كانت المرتفعة منهما والدنية لم يفوتا ردها وقبض الجاريتين، وإن كانت الدنية قد فاتت والمرتفعة منهما لم تفت ردها أيضا وأخذ المرتفعة ورجع عليه بقيمة الدنية، وإن فاتت المرتفعة ولم تفت الدنية منهما لم يردها ولزمه البيع فيهما وغرم قيمة الجاريتين. قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة جيدة إلا أنه لم يستوف جميع وجوهها ولا بين ما فيه الخلاف منها، وأنا استوفي ما قصر عنه من وجوهها وأنبه على ما فيه الخلاف منها إن شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال أولا: إن البيع ينفسخ في الجاريتين إن ماتت الجارية التي هي ثمن لهما أو أصابها عيب قبل أن تخرج من الاستبراء، ومعنى ذلك إن كانت الجاريتان لم تخرجا بعد من الاستبراء أو كانتا قد خرجتا منه ولم تفوتا عند المبتاع لهما بوجه من وجوه الفوت، فأما إن كانتا قد فاتتا عنده بحوالة سوق فما فوقه فيلزمه قيمتهما يوم خروجهما من الاستبراء ولا ينفسخ البيع بردهما إلى بائعهما، كمن باع عبدا بعبد، فاستحق أحدهما وقد فات الآخر: إنه لا يرد بعد فوات ويلزم مشتريه قيمته يوم اشتراه، وكذلك إن فاتت الأرفع منهما ولم تفت الأدنى، وأما إن فاتت الأدنى ولم تفت الأرفع فيردها وقيمة التي فاتت، وفيما يأتي بعد هذا في بقية المسألة بيانه. وقول ابن القاسم إلا أن يشاء المشتري حبس المعيبة فيتم البيع، وقع في بعض الروايات وهو صحيح مبين لما تقدم من قوله. وقوله وإن سلمت مما ذكرنا فأصاب الجارية الفاره من الجاريتين مثل ما وصفنا في هذا قبل أن تخرج من الاستبراء انفسخ البيع أيضا وردت الجارية الفاره التي كانت ثمنا للجاريتين إلى صاحبها واسترجع جاريته، معناه أيضا إذا كانت الجارية الفاره التي كانت ثمنا للجاريتين قائمة لم تفت بوجه من الوجوه، فإن كانت قد فاتت بحوالة سوق فما فوقه لم ترد، ولزم مشتريها قيمتها يوم خروجها من الاستبراء، وأما الجارية الدنية من الجاريتين فترد وإن فاتت بحوالة الأسواق، مما لم تفت بالعيوب المفسدة. وقوله: إن سلمت الجاريتان الفارهتان وأصاب الدنية من الجاريتين موت أو عيب قبل أن تخرج من الاستبراء تم البيع فيهن ورجع مشتري الجاريتين بثمن الدنية على صاحبها، فينظر ما اسم قيمتها من قيمة صاحبتها، فيرجع بذلك الاسم على بائعها في قيمة الجارية الفارهة، معناه: فينظر ما اسم قيمتها من قيمتها وقيمة صاحبتها جميعا، وتمثيله الذي مثل بقوله، وذلك أن تكون قيمة الجارية إلى آخر قوله يدل على ذلك، وسواء كانت الجارية الفارهة قائمة أو فائتة؛ وقد قيل: إنها إن كانت قائمة كان شريكا معه فيها بقدر قيمتها من قيمتها وقيمة صاحبتها، وهو قول أشهب. وقيل أيضا: إنه يكون شريكا معه فيها بذلك الجزء إلا أن يأبى ذلك مشتري الجارية الفاره لضرر الشركة عليه، فينفسخ البيع في الجميع. وهو قول ابن القاسم في رسم الصلاة من سماع يحيى من كتاب الشفعة. وقوله: وإن خرجت الدنية من الاستبراء صحيحة قبل أن تخرج صاحبتها ثم ماتت، فإنه ينتظر صاحبتها، فإن خرجت صحيحة من الاستبراء كانت المصيبة من المشتري، وإن لم تخرج صحيحة أو ماتت كانت المصيبة من بائعها صحيح؛ لأنها تبع لصاحبتها، إذ لا يتم البيع فيها دونها، وقد مضى هذا المعنى في المسألة التي قبل هذه. وقوله: وإذا وجد بإحدى الجاريتين عيب بعد الاستبراء، فإنه إن كانت المعيبة أدناهما ليس من أجلها اشتريت صاحبتها ردها ونظر ما اسم قيمتها من قيمة صاحبتها فيرجع بذلك الاسم على البائع في قيمة الجارية المرتفعة كما فسرت لك، قد مضى القول فيه وبينا أن فيه ثلاثة أقوال، وكذلك قد مضى القول في معنى بقية ما ذكر من وجوه المسألة، فلا معنى لإعادة ذكره، ولا يجوز النقد في هذه المسألة حتى تخرج الجاريتان الفارهتان من المواضعة، فإذا خرجتا من المواضعة تقابضا، وإن لم تخرج الدنية بعد من المواضعة؛ لأن ظهور الحمل بها أو موتها لا ينقض البيع بينهما، فسهل انتقاد ثمنها مع إمكان الرجوع فيه بعينه على ما حكيناه من مذهب أشهب الذي لا يراعي ضرر الشركة أو في قيمته على ما مضى من مذهب ابن القاسم، وعلى هذا يأتي ما في أول كتاب الجعل والإجارة من المدونة من أنه يجوز أن يبيع الرجل نصف ثوبه من رجل على أن يبيع له النصف الآخر إلى شهر؛ لأنه إن باع في نصف الشهر كان له أن يرجع في عين الثوب أو في قيمته على ما ذكرناه من الاختلاف في هذا المعنى، وبالله التوفيق. .مسألة ابتاع رجل وليدة كان لها زوج وهي في عدة ولم يبين ذلك لمشتريها: قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة وغيرها؛ لأن المشتري وطئ بشبهة الشراء، فوجب أن يلحق به الولد إذا وطئها في العدة بعد حيضة، وجاءت بالولد لتمام ستة أشهر من يوم وطئ كمن تزوج في العدة ودخل بعد حيضة، وكذلك إذا وطئها وهي في ملك الزوج وهو غائب أو معزول مدة تكون فيها استبراء لرحمها، فجاءت بالولد لتمام ستة أشهر من يوم وطئها، وإذا لحق به الولد وجب أن تكون به أم ولد، وإذا صارت أم ولد فات ردها بالعيب ووجب له الرجوع بقيمته، وإذا لم يلحق به الولد ولحق بالزوج إما بأن يكون وطؤه في طهر واحد، وإما بأن يكون وطئها في طهر آخر فاتت بالولد لأقل من ستة أشهر، وإما بأن يكون وطؤه وهي حامل فإنه يردها بالعيب ولا يكون عليه في وطئه شيء، كما اشترى أمة فوطئها ثم وجد بها عيبا، فإنه يردها ولا شيء عليه في الوطء إلا أن تكون بكرا، فيرد بما نقص الافتضاض منها إن أراد ردها، وإن لم يرد أخذ قيمة العيب وحبسها، وقد قيل: إن الوطء فيها فوت، ذكر ذلك ابن حبيب عن جماعة من الصحابة والتابعين وأخذ به وحكاه عن ابن وهب وابن نافع وأصبغ. .مسألة اشترى جارية وقبضها من غير مواضعة ودفع الثمن ثم استبريت الجارية: وسئل: عن رجل اشترى جارية وقبضها من غير مواضعة ودفع الثمن ثم استبريت الجارية وخيف عليها الحمل، فقال: إن كان باعها على أن ينقده الثمن بشرط فسخ البيع، ردت إلى صاحبها، وإن كان إنما تطوع بذلك من غير شرط يكون في البيع لم ينزع منه الثمن حتى ينظر إلى ما تصير إليه الجارية، فإن استمر بها حمل رد الثمن، وإن حاضت نفذ البيع. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة والاختلاف فيها في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من سماع ابن القاسم لمن أحب الوقوف عليه، فلا معنى لإعادته، والله الموفق. .مسألة الاستبراء في كل ما يوطأ من الجواري رفيعة كانت أو وضيعة: قال محمد بن رشد: قوله الاستبراء في كل ما يوطأ يريد المواضعة في كل ما يطؤه البائع من الجواري رفيعة كانت أو وضيعة. وقوله: وما يراد للوطء مما لم يكن يوطأ يريد به وفي الجواري المرتفعات اللاتي يتخذن للوطء، وإن كان البائع لهن لا يطؤهن، وقوله: فأما وخش الرقيق وما لا يراد للوطء وما لم يكن يوطأ فليس فيه مواضعة استبراء، فليس على ظاهره، والمعنى فيه: فأما وخش الرقيق الذي لا يتخذ للوطء ولم يكن البائع يطؤه، فليس فيه مواضعة استبراء، يريد: ولا يجوز للمبتاع أن يطأها حتى يستبري لنفسه، وهذا كله مما لا اختلاف فيه، والله الموفق للصواب. .مسألة الرجل يبيع الجارية وهي حامل ثم يقر أن الحمل منه: قال محمد بن رشد: أما الولد فلا اختلاف في أنه يرد إليه إذا اتهم في الأم فلم ترد إليه ويلحق به نسبه ويتبع بقيمته يوم أقر به دينا في ذمته إن لم يكن له مال على ما قاله في هذه الرواية، قيل: بقيمته يوم ولد، وقيل: بما ينوبه من الثمن بأن ينظر إليه اليوم أن لو كان معها يوم عقد البيع فيفض الثمن عليهما، وإلى هذا ذهب أبو إسحاق التونسي، وقال: إنه لا يشبهه. وقال بعض شيوخ القرويين: إنه يقوم مع أمه يوم عقد البيع على حاله التي هو عليها الآن اليوم، ثم تقوم الأم دونه، فيرد من الثمن حصاص الولد، وهو يرجع بالمعنى إلى ما قاله أبو إسحاق التونسي، والقياس أن لا يكون عليه للمبتاع إلا ما زاد في ثمنها بسبب الحمل إن كان اشتراها ظاهرة الحمل، ولم يكن عليه في الولد شيء إن لم تكن ظاهرة الحمل، وإنما اختلف قول ابن القاسم في انتقاض العتق إن كان قد أعتقه المشتري، فمرة قال ابن القاسم: ينتقض العتق إذا ثبت به نسبه ولا يكون للمعتق ولاؤه، ومرة قال: ينقض العتق ويلحق به النسب ويكون الولاء للمعتق، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية، والقولان قائمان من المدونة. وأما الأم ففي ردها إليه ثلاثة أقوال: أحدها: أنها ترد إلا أن يكون عديما أو يتهم فيها بميل إليها أو رغبة فيها لصلاح حالها، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية وقول مالك وغيره في المدونة. والقول الثاني: أنها ترد إليه إلا أن يتهم بميل إليها ورغبة فيها لصلاح حالها، فإن لم يتهم فيها بشيء من ذلك ردت إليه، وإن كان معدما واتبع بثمنها دينا في ذمته، وهو قول ابن القاسم في المدونة. والقول الثالث: أنها ترد إليه إلا أن يكون معدما، فإن كان مليا ردت إليه، وإن اتهم بميل إليها ورغبة فيها لصلاح حالها، وهو ظاهر قول ابن نافع في المبسوطة، وهذا كله ما لم يعتقها المشتري، واختلف قول ابن القاسم إذا كان المشتري قد أعتقها، فمرة قال: إنه إذا أعتقها فلا ينتقض العتق، ولا ترد إليه على حال، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية، وأحد قوليه في المدونة. ومرة قال: إنه لا تأثير لعتق المشتري لها. فيما يجب من ردها للبائع وتصديقه في قوله إن لم يتهم فيها، فإذا صدق وردت إليه نقض العتق إن كان المشتري قد أعتقها، وسواء في هذا كله من لحوق نسبه ورد أمه إليه أم ولد باع الأمة وهي حامل فولدت عند المشتري فادعى ولدها، أو باعها وولدها ثم ادعى أن الولد منه، أو باعها وحبس ولدها ثم ادعى أن ولدها الذي عنده منه، أو باعها فولدت عند المشتري إلى ما يلحق فيه الأنساب ولم يطأ المشتري ولا زوج، غير أنه إن باعها مع ولدها ثم ادعى أنه ولده واتهم في الأم فلم ترد إليه يكون عليه من الثمن ما ناب الولد منه، ولو باعها ولا ولد معها ثم ادعى بعد البيع أنها قد كانت ولدت منه لم يصدق ولم ترد إليه في المشهور في المذهب خلاف ما في بعض الروايات من كتاب اللقطة من المدونة من أنها ترد إليه إذ لا يتهم وهو بعيد، طرحها سحنون، وقال: إن إجازته عن ابن القاسم وصمة في الدين، وأما إذا ادعى أنه لا يلحق به أنه ملك أمه أو تزوجها، فاختلف في ذلك قول ابن القاسم، مرة قال: إنه لا يلحق به على حال، ومرة قال: يلحق به إذا لم يكن للولد نسب ثابت ما لم يتبين كذبه، وإن لم يشبه قوله، ومرة قال: إنه إنما يلحق به إذا لم يكن للولد نسب ثابت إذا أشبه قوله، وهذا الاختلاف كله قائم من المدونة، وبالله التوفيق.
|